جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
تفاسير سور من القرآن
72183 مشاهدة
تفسير قوله: وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ

...............................................................................


وقوله: وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ الذكرى هنا مصدر مؤنث تأنيثا لفظيا بألف التأنيث المقصورة.
وأصله بمعنى التذكير؛ أي لأجل الإنذار لكل من عصى وتمرد وللتذكير للمؤمنين العاملين به. والذكرى هي الاتعاظ؛ لأن المؤمنين يذكرهم فتنفعهم الذكرى وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ .
وقوله: وَذِكْرَى في محل إعرابه ثلاثة أوجه معروفة: أظهرها: أنه في محل خفض معطوف على لِتُنْذِرَ بِهِ ؛ أي: للإنذار وللتذكير، ويجوز أن يكون منصوبا عطفا على محل لِتُنْذِرَ بِهِ ؛ لأنه هو ينذر وهو في معنى مفعول لأجله. ويجوز أن يكون مبتدأ، ويجوز أن يكون معطوفا على قوله: كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ أنزلناها إليك. والأول هو الأظهر.
والمؤمنون عباد الله المصدقون بقلوبهم تصديقا تساعده جوارحهم؛ فيكون القلب مصدقا، وتظهر آثار ذلك التصديق على الجوارح بأن تطيع الله وتمتثل أمره وتجتنب نهيه.
فالإيمان في لغة العرب يطلق على التصديق، ومنه وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا ؛ أي بمصدقنا في أن يوسف أكله الذئب ، وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ وهو في اصطلاح الشرع التصديق من جهاته الثلاث: هو تصديق القلب بالاعتقاد، وتصديق اللسان بالإقرار، وتصديق الجوارح بالعمل.
فالإيمان قول وعمل ينقص ويزيد بحسب الأعمال الصالحة وعدمها، على مذهب أهل السنة والجماعة الذي دلت عليه نصوص الوحي في القرآن والأحاديث الصحيحة بكثرة. قوله: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وما جرى مجرى ذلك من النصوص.
في الحديث الصحيح: إن الإيمان بضع وسبعون -وفي بعضها وستون- شعبة أعلاها شهادة ألا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق وقد سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الصحيح إماطة الأذى عن الطريق إيمانا.
وقد سمى الصلاة إيمانا في قوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ؛ أي صلاتكم إلى بيت المقدس قبل نسخ القبلة إليه. وهذا معنى قوله: وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ .